صرخة الكهف الأزرق
مقدمة: مكتبة الأزمان
في إحدى ضواحي القاهرة القديمة، حيث تمتزج الأزقة الضيقة بالمباني العتيقة التي تحكي قصصاً من مئات السنين، كانت توجد مكتبة صغيرة تُعرف باسم مكتبة الأزمان. كانت المكتبة مرآة لتاريخ مصر العريق، مليئة بالكتب النادرة والمخطوطات القديمة التي لم يعثر عليها الكثيرون. كان مالك المكتبة، الأستاذ حسن، عالم آثار متقاعد، معروف بشغفه الكبير بالأساطير المصرية القديمة وحبه لحفظ التراث.
منى والكتاب الغامض
في أحد الأيام، دخلت إلى المكتبة شابة تُدعى منى، طالبة جامعية تدرس الأدب المقارن، تبحث عن مواد لبحثها حول الأساطير في الأدب الحديث. لفت انتباهها كتاب قديم مخبأ في زاوية مظلمة من المكتبة، يحمل عنوانًا غامضًا: أسرار الكهف الأزرق. كان الغلاف مصنوعًا من الجلد الباهت، والنقوش الهيروغليفية محفورة عليه بدقة متناهية.
اقتربت من الأستاذ حسن وسألته عن الكتاب. نظر إليها بابتسامة ودودة وقال: هذا كتاب نادر جداً، يحتوي على قصص وأساطير لم تُروى من قبل. لكن حذري، ليس كل ما هو مكتوب في هذه الصفحات خيّراً.
هوس الكهف الأزرق
لم تهتم منى بالتحذيرات، فقد كانت شغوفة بالاكتشاف والمعرفة. استأذن الأستاذ حسن وأخذت الكتاب، وعدت إلى شقتها لتبدأ في قراءته. بدأت تتصفح الصفحات، ولاحظت أن الكتاب يتحدث عن كهف قديم يُعرف باسم الكهف الأزرق، يقع في قلب الصحراء الغربية، محاطًا بالأساطير التي تقول إنه مكان لتضحية الأرواح وحماية أسرار غير معلنة.
مع مرور الأيام، أصبحت منى مهووسة بالكتاب وبالفكرة التي يطرحها. قررت أن تقوم برحلة إلى الصحراء الغربية لاستكشاف الكهف الأزرق بنفسها، على أمل اكتشاف أسراره وربما العثور على مواد جديدة لبحثها. جهزت معداتها، وبدأت في التخطيط للرحلة، مستعينة بخريطة قديمة تراها في الكتاب تشير إلى موقع الكهف.
رحلة إلى الصحراء
في صباح مشمس، انطلقت منى في رحلتها، متجهة نحو الصحراء الغارقة في الرمال الذهبية. بعد ساعات من القيادة عبر الطرق الوعرة، وصلت إلى منطقة نائية حيث بدأت الرمال تتداخل مع الصخرة، مشيرةً إلى وجود مدخل مخفي. بدأت في إزالة الرمال والصخور بحذر، حتى كشفت عن فتحة ضيقة تؤدي إلى ممر مظلم. لم تتردد منى، فتقدمت عبر الفتحة مستخدمة مصباحها اليدوي.
النزول إلى الكهف
كان الممر ضيقًا وطويلاً، والجدران مغطاة بالنقوش الهيروغليفية التي رسمت قصصًا عن آلهة قديمة وطقوس غامضة. مع تقدمها، بدأت تشعر ببرودة غريبة تتسلل إلى جسدها، رغم حرارة الصحراء في الخارج. بعد ما يقارب الساعة، وصلت إلى قاعة واسعة تحت الأرض، تحتوي على تماثيل حجرية ضخمة وآثار طقوس سحرية قديمة. في وسط القاعة، كان هناك ممر يؤدي إلى كهف أزرق مشع يتوسطه نور غامض ينبعث من أعماقه.
قلب الكهف الأزرق
بدأت منى في التحرك نحو الكهف، متسائلة عن سر هذا الضوء الأزرق. عندما دخلت الكهف، لاحظت أن الرمال تحت قدميها لا تتحرك كالسابق، بل كانت ثابتة بشكل غير طبيعي. بدأ الضوء يصبح أكثر إشراقًا، وكأن هناك شيئًا ينتظرها في الأعماق. حاولت التقاط بعض الصور بالهاتف، لكن الجهاز لم يستجب، وكأن هناك قوة تمنعه من استخدامه.
في وسط الكهف، وجدت منصة حجرية تحمل تمثالًا لألهة غير معروفة، وعيناه مصنوعة من حجر أزرق ينبعث منهما ضوء قوي. جلست على المنصة، وبدأت تتأمل التمثال، وعندما فعلت ذلك، بدأت الأرض تهتز ببطء. سمع صوت همسات غامضة تأتي من كل اتجاه، وكأن الأرواح القديمة تحاول التواصل معها.
بداية الصرخة
فجأة، انطفأت الأضواء داخل الكهف، وعم الظلام المكان. حاولت منى تشغيل مصباحها اليدوي، لكنه لم يعمل. شعرت بيد باردة تلمس كتفها من الخلف، فالتفت بسرعة لكنها لم تجد شيئًا. سمع صوت امرأة يُغلب على صوته الخافت يقول: لم يكن يجب أن تأتي هنا.
بدأت الصرخة تخترق صمت الكهف، وشعرت منى بأن هناك قوة غامضة تحاول سحبها نحو أعماق الأرض. حاولت المقاومة، لكن كان من الصعب جداً. بدأت الأرض تهتز بقوة، وبدأت الرمال تتدفق من حولها، مكونة دوامات صغيرة تحاول سحبها. في لحظة يأس، تذكرت كلمات الكتاب التي قرأتها: الشجاعة والنية الصافية يمكن أن تفسح الطريق أمام الأرواح الطيبة.
التعويذة القديمة والنجاة
بدأت تتلو تعويذة قديمة تعلمتها من أحد الكتب في المكتبة، وكانت تحتوي على كلمات تهدئة الأرواح وإعادة السلام إلى المكان. مع ترديدها للكلمات، بدأت الحركة تهدأ، وبدأ الضوء الأزرق يتلاشى ببطء، عائدًا إلى حالته الطبيعية. اختفت الأصوات الغامضة، وعاد الهدوء إلى الكهف.
فتح منى عينيها ببطء، ووجدت نفسها مرة أخرى على المنصة الحجرية. كانت تتنفس بصعوبة، ولكنها لم تكن محاصرة بعد الآن. حاولت النهوض، لكنها شعرت بوجع شديد في جسدها وكأنها تعرضت لصدمات كهربائية. أدركت أنها نجت، ولكن مع شعور عميق بأن هناك شيئًا ما قد غزا روحها.
العودة إلى القاهرة والمطاردة
خرجت من الكهف بسرعة، وعادت إلى سطح الأرض حيث كانت الشمس تشرق في الأفق. جلست على الرمال العارية، متأملة في ما حدث لها. قررت العودة إلى القاهرة فورًا، مدركة أن تجربتها كانت أكثر مما كانت تتوقع.
عادت إلى مكتبتها، ولكنها لم تجد أي أثر للكتاب أسرار الكهف الأزرق. بحثت في كل مكان، لكن الكتاب كان قد اختفى كما لو لم يكن موجودًا من قبل. حاولت أن تتجاهل ما حدث، لكنها بدأت تعاني من آثار نفسية عميقة. بدأت ترى أشباحًا في زوايا غرفتها، وسمعت همسات في الليل، وكأن الأرواح التي قابلتها في الكهف تحاول التواصل معها.
طلب المساعدة من الأستاذ حسن
بدأت منى في كتابة تقريرها عن الرحلة، ولكن الكتابة كانت صعبة جداً، إذ كانت كلماتها تتداخل مع الهمسات التي تسمعها في صمت الليل. حاولت مشاركة قصتها مع أصدقائها وزملائها، لكن لم يصدقوها، معتقدين أنها فقدت صوابها بسبب إرهاق الرحلة. شعرت بالوحدة والخوف، ومع مرور الوقت، بدأت حياتها تتحول إلى كابوس مستمر من الرعب والهلوسات.
قررت منى زيارة الأستاذ حسن في مكتبة الأزمان، آملاً أن يجدوا إجابات لما يحدث لها. استقبلها الأستاذ حسن بقلق، وعندما رأت الكتاب غير موجود، أدركت أن هناك شيئًا خارقًا وراء ما حدث. بدأوا في البحث عن رموز الطقوس والتعويذات في الكتابات القديمة، واكتشفوا أن الكهف الأزرق كان جزءًا من طقوس سحرية تهدف إلى حماية أسرار قديمة من الوصول إليها بواسطة الغرباء.
أخبرها الأستاذ حسن: يجب علينا إيجاد طريقة لإغلاق الباب بين عالمنا وعالم الأرواح التي أطلقت اللعنة. ربما هناك طقوس إضافية يجب أن نقوم بها لإعادة السلام إلى مكانها.
العودة إلى الكهف للطقوس
بدأ الفريق في دراسة المخطوطة القديمة والتعرف على المزيد من الطقوس السحرية. قرروا العودة إلى الكهف، لكن هذه المرة كانوا مجهزين بكل ما يلزم لإجراء الطقوس اللازمة. عند وصولهم، وجدوا أن المدخل لا يزال موجودًا، لكن الأجواء كانت أكثر قتامة وخوفًا من السابق.
بدأوا في أداء الطقوس بتعاون وثيق، متجنبين أي تحركات غير ضرورية، حتى بدأ الضوء الأزرق يتجدد في قلب الكهف. ظهرت المرأة الفرعونية مرة أخرى، لكنها هذه المرة بدت أكثر هدوءًا وأقل تهديدًا. قالت لهم: لقد أظهرتم شجاعة ونية صافية. الآن، يمكنني مساعدتكم في إعادة اللعنة إلى مكانها.
إغلاق البوابة والنجاة
بدأ الفريق في وضع الكتاب المفقود على منصة الحجرية، وتلاوة التعويذات المطلوبة. مع كل كلمة ترددها، بدأت الظواهر الغريبة تهدأ، والرمال تبدأ في الاستقرار. اختفت المرأة وأشباح المحاربين، وعاد الهدوء إلى الكهف كما كان في البداية.
خرجوا من الكهف وهم يشعرون بالراحة والطمأنينة، ومعرفة أنهم قد أنقذوا أنفسهم من لعنة قديمة كانت تستهدفهم. عادوا إلى القاهرة، وتقرروا بعد ذلك عدم مشاركة تجربتهم مع أي شخص، خوفًا من أن يُطلقوا اللعنة مرة أخرى.
حضور دائم
لكن رغم كل التحذيرات، بقيت منى تشعر بوجود شيء ما يراقبها من بعيد، خاصة عندما تنظر إلى الأهرامات في الأفق. كانت تعلم أن بعض الأسرار يجب أن تبقى مدفونة، وأن الفضول قد يقود إلى عواقب لا يمكن تصورها. ومع ذلك، استمرت في متابعة دراستها، ولكن مع وعي كامل بأن بعض الأماكن تحتوي على أسرار لا ينبغي الكشف عنها.
في إحدى الليالي، بينما كانت تجلس في غرفتها محاولة استعادة هدوءها، سمع صوت همسات تأتي من خلف النافذة. التفت ببطء، ورأت ظلًا غامضًا يتحرك بسرعة نحوها، قبل أن يختفي في الظلام. أدركت أن اللعنة لم تنتهِ بعد، وأن الظلال القديمة ما زالت تراقبها، تنتظر اللحظة المناسبة للظهور مرة أخرى.
إرسال تعليق